جزاء ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من أدل دليل على شمولية مهمة الإرشاد هو أن العقاب الذي يقع على الأمة التي لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر يكون جماعياً يصيب الصغير والكبير والعالم والجاهل الرجل والمرأة على حد سواء ، كما روي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ( إن الله عز وجل أمر بقرية أن تعذَّب فضجّت الملائكة ، قالت : إن فيهم عبدك فلاناً ، قال : أسمعوني ضجيجه ، فإن وجهه لم يتمعَّر غضباً لمحارمي ) أي : لم يتغيَّر وجهه غضباً لله تعالى . وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ( إن الله لا يعذب الخاصة بذنوب العامة ، حتى يرى المنكر بين أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه ).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) ، قال : « يدفع الله بمن يصلي عمّن لا يصلي ، وبمن يحج عمّن لا يحج ، وبمن يزكي عمّن لا يزكي » ،
قلت : « وهذا يكون إلى ما شاء الله ، وقد يدعهم فيهلكوا جميعاً إذا كثر الفساد ، ثم يبعثهم الله على نيّاتهم » .
قال مالك بن دينار : « اصطلحنا على حب الدنيا ، فلا يأمر بعضنا بعضاً ، ولا ينهى بعضنا بعضاً ، ولا يذرنا الله تعالى على هذا ، فليت شعري أي عذاب ينزل ؟ » وقرأ هذه الآية : ( وَكانَ في المَدينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ في الأرْضِ وَلا يُصْلِحُون ) قال : « فكم اليوم في كل قبيلة وحي من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ؟ » . وورد عن بعض السلف : أن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها ، وإذا أعلنت فلم تغير ضرت العامة .
وقال النبي الأعظم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في حديث بليغ : ( كيف أنتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبانكم وتركتم جهادكم ؟ قالوا : وإن ذلك لكائن يا رسول الله قال : نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه يا رسول الله ؟ قال : كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون ؟ يقول الله تعالى : بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران ) .
اندهش الصحابة الكرام وحاروا أمام هذا الكلام ، فما كانت عقولهم تتحمل أمراً كهذا ، لأنهم كانوا يؤمنون أن مثل هذه الفتن لا تقع في مجتمع طالما فيه مؤمن واحد ، ولهذا استفسروا : وقالوا : ( يا رسول الله إن هذا لكائن ؟ ) . ومعنى هذا أن الذل والهوان سيحلان محل العزة والكرامة ما لم تؤد وظيفة الإرشاد .
فالرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يبين للأمة بياناً معجزاً كيف هي العاقبة الوخيمة الناجمة من عدم إدراك أهمية هذه الوظيفة الجليلة ، وإن من عقوبتها ما روي في الحديث الشريف : عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : ( مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلن يستجيب لكم ، وقبل أن تستغفروا فلن يغفر لكم ، إن الأمر والنهي عن المنكر لا يفوّت أجَلاً ) .
وفي الحقيقة نحن جميعاً مكلّفون بهذه الوظيفة المباركة ، والعمل على إدراك الأمة المحمدية أهمية الوظيفة التي خلقنا الله سبحانه للقيام بها ، وهي وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . يقول الإمام علي كرم الله وجهه : ( أول ما تغلبون عليه من الجهاد ، الجهاد بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ؛ فإذا لم يعرف القلب المعروف ، ولم ينكر المنكر نُكِّس فجعل أعلاه أسفله ) .