ما هي صفات المرشد الناجح ؟

من أجل أن يكون المرشد ناجحاً في مهمته المقدسة ، يجب أن يتحلى بصفات ويتخلق بأخلاق هذه المهمة الشريفة ، ومن هذه الصفات .

 

1- أن يتصف بالمنطق والواقعية :             

المرشد يجب أن يكون إنساناً منطقياً ، سواءً في تقييمه الأحداث أو في تفهيمه مخاطبيه ، فهو دائماً ينزل منازلهم ومستوى مداركهم ، فقد قال حضرة الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم  : ( إنا معشر الأنبياء كذلك أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم  ) ومن ثم يقنعهم بما يريد ، حيث إن كلامه يكون مقبولاً لا يلام عليه بنسبة مطابقة أقواله وأحواله للمنطق والواقعية . ولا يظنن أننا نحث المرشد ليكون فيه جفاف الأسلوب ، وإنما نريد منه أن تكون أطواره وتصرفاته منطقية ، وضمن حدود المعقول والواقع . لأن الإرشاد دعوة من بلغ درجة الرشاد لإرشاد غيره لطريق الحق ، وسبيل الهدى بالحكمة البالغة من العقول مبلغ التصديق ، لبيانها وصحة مقدمتها ونتائجها ، ناهجاً مع من يدعوهم بقدر عقولهم وتسليمهم ومعارفهم .

  2- أن يكون مدارياً ومسامحاً :

يقول الله عز وجل : [ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ] ، وقال الحبيب المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ( إنما بعثت بالمداراة ) ، وقال أيضاً[ إن الله تعالى أمرني بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض ] ، فالمرشد مدار للنفوس سمح في أطواره ، والحقيقة أن المداراة هي ترك الأذى واحتمال الأذى ، والتسامح هو سعة الصدر والصفح عن العثرات وسعة أفق في النظر ، وليس فيه معنى التنازل عن الدعوة ولا المداهنة قط . والكلام الذي نطق به الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لكفار مكة الذين أخرجوه منها ومن آمن معه ، بعد أن أذاقوهم صنوف العذاب ، هذا الكلام رمز ساطع للتسامح ، فقد سأل صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ ما ترون أني فاعل بكم ؟ ] فأجابوه : خيراً أخٌ كريم وابن أخ كريم ، فقال لهم ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته :[ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] ولقد أظهر سيدنا يوسف التسامح على إخوته بينما الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أظهره حتى لأعدائه ، ففاق كرمه كرم سيدنا يوسف عليه السلام . وروي أن بعض الناس رمى مالك الأشتر بحجر ، فلامه الناس ، ثم انطلق بطلبه ليعتذر إليه ، فقيل هو في المسجد ، ولما جاءه واعتذر له ، قال له مالك : لا عليك لقد دخلت المسجد للدعاء لك . 

3- أن يكون ثابتاً وشجاعاً في مهمته : 

قال الله تعالى : [ يا يَحْيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّة ] ، بهذه الآية يدعو رب العزة جل وعلا نفس المرشد إلى الشعور بالتحدي تجاه العوائق ، والمعاندين وأهل الباطل ، وهو يسير في مشواره الدعوي ، فيرتقي إيمانه وتقوى أركانه ، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الحديث الشريف : [ لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول الحق إذا رآه أو سمعه ]، فتكون الدعوة بالإضافة إلى ما فيها من الأجر العظيم وسيلة الثبات ، والحماية من التراجع والتقهقر لأن الذي يهاجم لا يحتاج للدفاع ، والله مع الدعاة يثبتهم ويسدد خطاهم ، يقول الله عز من قائل : [ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي  ]. والداعية كالطبيب يحارب المرض بخبرته وعلمه وبمحاربته للمرض في الآخرين فهو أبعد من غيره عن الوقوع فيه . وعليك أن تعلم بأن مدد شيخك معك أينما كنت ما دمت في مهمة الإرشاد يمدك بقوة الحجة وتأثير القول في السامعين ، قال تعالى : [ يا مُوسى لا تَخَفْ إنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ  ]. 

4- أن يتحلى بحسن الخُلُق :

ويحثنا رسولنا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بفعله على حسن الخُلُق ، بقوله : [ إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً  ]  ويقول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الحديث الشريف : [ تبسّمك في وجه أخيك صدقة لك ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة ، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة ، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة ]  ، ويقول أيضاً صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ اتق الله حيثما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن  ] ، كل هذا الكم من الأوامر والفضائل هل هي لمجرد العلم ، أم هي للممارسة أيضاً ؟ وهل لها – إذا ما طبقناها – علاقة بزيادة الإيمان في قلوبنا أم لا ؟ لو لم تكن لها علاقة بالإيمان ، فما فائدتها ؟ ولماذا وردت ؟ ولماذا حث ديننا عليها وأمر بها ؟ وجوابنا أننا بحاجة إليها في حياتنا … الدين المعاملة ، خذ زادك الإيماني من هذه المعاملات الثلاث التي لم تترك جانباً إلا وتناولته ، فمثلا لما يقول : [ اتق الله حيثما كنت ] ، فهي معاملتك مع خالقك ، وعندما يقول : [ واتبع السيئة الحسنة تمحها ] ، فهي معاملتك لنفسك التي بين جنبيك والتي هي أعدى أعدائك ، وحينما يقول : [ وخالق الناس بخلق حسن ] ، فهي معاملة الناس الذين من يخالطهم ويصبر على أذاهم إنما هو خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم . فابتسم في وجوه الناس تزدد إيماناً ، وأمط الأذى عن الطريق ، وتذكر أن من فعل ذلك وشكر الله غفر الله له ، فاشكر الله واستشعر مغفرة الله لك.

ومن حسن الخلق عدم الكذب ، والكذب منازل ، فأعلاها وأكثرها ضرراً ، إخلاف المواعيد كما قيل ، فلا تستهن بكل ما يتعلق بمجتمعك كن فرداً نافعاً عاملاً ، فعالاً فيه ، واشترك في مؤسساته وفعالياته بقوة ، وافعل كل ذلك إرضاء لله تعالى ، واستشعر ذلك الإرضاء بقلبك ، وللطلاب في الجامعات
نقول : كن طالباً مجتهداً وشارك في الأنشطة الجامعية بأشكالها ، وساهم في المعارض والمؤتمرات والمنتديات وأنت كما أنت مهندساً بارعاً أو طبيباً حاذقاً وأنت مرشد وتدعو الناس للخير تكن كياناً صالحاً في مجتمعك .

يقول حضرة السيد الشيخ السلطان الخليفة محمد المحمد الكسنزان قدس الله سره العظيم : ( المريد يجب أن يتحلى بأخلاق وآداب الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وخلقه هو القرآن الكريم ، وهو القرآن الناطق كما يقول ابن عربي ، فعليك أيها المريد أن تتخلق بأخلاق رسولك الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وتتأدب بآدابه ، وأن ترشد إلى طريق الخير والصلاح ، فاللسان الذي وهبك الله إياه إذا كان يرشد إلى الخير فذلك هو سيف الحق ، واللسان إذا كان عكس ذلك فهو سيف
الشيطان ).
 

5- أن يتصف بالإخلاص والتروي والرفق :

إن الإخلاص هو الروح التي تنبعث في الأعمال فتحيي بها القلوب وهو الروح التي تزكي الدعوة وتنميها . قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ الناس كلهم موتى إلا العالمون ، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون ، والعاملون كلهم غرقى إلا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم  ] ، وفي معنى التروي الذي هو الحلم والأناة ، فعن زارع العبدي وكان في وفد عبد القيس ، قال : لما قدمنا المدينة ، فجعلنا نتبادر من رواحلنا ، فنُقبل يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ورجله ، وانتظر المنذر الأشج حتى أتى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، فقال له : [ إن فيك خلتين يحبهما الله : الحلم ، والأناة  ] ، قال : يا رسول ، إنا لنخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟ ، قال :[ بل الله جبلك عليهما  ] ، قال : الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله .

وأما الرفق فقال الله تعالى : [ وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً ] وإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه كما في صحيح الحديث ، وقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف  ].

وحكي أن الحسن والحسين عليهما السلام وعن والديهما وعلى جدهما أفضل الصلاة وأتم التسليم ، مرا بشخص يفسد وضوءه ، فقال أحدهما لأخيه : تعال نرشد هذا الشيخ ، فقالا : يا شيخ إنا نريد أن نتوضأ بين يديك حتى تنظر إلينا وتعلم من يحسن منا الوضوء ومن لا يحسنه ، ففعلا ذلك ، فلما فرغا من وضوئهما ، قال : أنا والله الذي لا أحسن الوضوء ، وأما أنتما فكل واحد منكما يحسن وضوءه ، فانتفع بذلك منهما من غير تعنّت ولا توبيخ . وهكذا يجب على المرشد أن يكون ، وإذا كان فإن الله تعالى سوف يسدد خطاه .

 

6- أن يصبر على الأذى في الله
تعالى :

الصبر على الأذى سنة نبوية شريفة حيث أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد شُجَّ جبينه الشريف بالحجارة من الذين يريد لهم الهداية ، فينزل عليه جبريل عليه السلام يطلب منه الإذن في أن يطبق عليهم الأخشبين ، فيقول نبي الرحمة صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً  ].

 وأوصى بعض السلف بنيه فقال : إن أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر ، وليثق بالثواب من الله ، فمن وثق بالثواب من الله لم يجد مس الأذى ، فإذن من أخلاق المرشد توطين النفس على الصبر . ولذلك قرن الله تعالى الصبر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال تعالى حاكياً عن لقمان الحكيم : [ يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى مَا أصَابَك ].

قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : وقد جرت سنة الله تعالى في أنبيائه وأصفيائه أن يسلط عليهم الخلق في مبدأ أمرهم ، وفي حال نهايتهم ، ثم تكون الدولة ، والنصرة لهم في آخر الأمر ، إذا أقبلوا على الله تعالى كل الإقبال ، وذلك لأن المريد السالك يتعذر عليه الخلوص والسير إلى حضرة الله عز وجل ما لم يصبر على أذى الخلق ، فإذا رجع بعد انتهاء سيره إلى إرشاد الخلق ، وعليه خلعة الحلم ، والعفو ، والستر ، فيتحمل أذى الخلق ، ويرضى عن الله تعالى في جميع ما يرد عن عباده في حقه ، فيرفع الله بذلك قدره بين عباده ، ويكمل بذلك أنواره ، ويحقق بذلك ميراثه للرسل في تحمل ما يرد عليه من أذى الخلق ، قال الله تعالى : [ وجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ  ]  ، وقال تعالى : [ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ  ].

وذلك لأن الكُمَّل لا يخلو أحدهم عن هذين الشهودين ، إما أن يشهد الحق تعالى بقلبه ، فهو مع الحق لا التفات له إلى عباده ، وإما أن يشهد الخلق فيجدهم عبيد الله تعالى ، فيكرمهم لسيدهم ، فعلم أنه لا بد لمن اقتفى آثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الأولياء والعلماء أن يؤذى كما أوذوا ، ويقال فيه البهتان والزور كما قيل فيهم ، ليصبر كما صبروا ، ويتخلق بالرحمة على الخلق . 

 

7- المرشد ذو همة :

وهي إشراقة شيخك ونوره قدس الله سره ، الذي إن تزودت به تنسمت نسائم الإيمان ، وتزودت بزاد التقوى ، وأشرقت نفسك بإشراقات الروح ، وأصبحت الإنسان الصالح ، والمؤمن التقي ، والمسلم الورع ، والرجل المخلص . بل إذا مشيت ففي مشيتك هون ، وإذا تكلمت ففي كلامك
تأثير ، وإذا عملت ففي عملك قدوة ، وإذا ظهرت ففي ملامحك جاذبية ، وإذا نظرت ففي نظراتك إشراق .

وهذه الاشراقة إن أحكم الأخذ عنها ، والتربية فيها والمجاهدة منها ، كانت مصدر فيوضات المرشد ، ومبعث إشراقاته الروحية ، وموطن توجيهاته التربوية . بل كانت الطاقة المولدة لمداركه الباطنية ، ومحاسبته النفسية وانطلاقته الدعوية . بل كانت المحرك الأول لتحمله المسئولية ، والموجه الأفضل في سلوكه طريق الاستقامة ، والمنبه الأكبر على الخطأ والاعوجاج . فإذا خلا المرشد من معالم تلك الروحانية الشاملة فقد خلت حياته من كل أثر وتأثير وعطاء ، وتخبط في دياجير العجب والنفاق والرياء ، وتعثر في أوحال الغرور والأنانية والكبرياء ، وسعى جهده في أن يدعو لشخصه لا لله ، وأن يبني أمجاداً لنفسه لا للإسلام وأن يعمل لدنياه لا للآخرة . وهي إنما تتحصل بأخذ الإذن وإجازة الإرشاد من المشايخ الكمَّل المأذونين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والمتسلسلين معه بسلسلة متصلة غير منفصلة كمشايخ الطريقة العلية القادرية الكسنزانية فهم أشياخ وقتهم وأغواث زمانهم وإليهم المرجعية في التلقين والتربية .

 

8- المرشد ذو مظهر لائق :

إن أول ما يسترعيك عندما ترى شخصاً : هندامه ، فهو الرسالة الأولى التي تصلك منه قبل كلامه وحاله . وإن لجودة المظهر والملبس ونظافته حتى لو كان بسيطاً وتنسيقه أثراً بالغاً على نفسية المرشد قبل المدعو فهي من العوامل التي تهبه الثقة بالنفس .

ترى لماذا أرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه دون غيره من فقهاء الصحابة لأهل المدينة ، ربما كان لكونه فتى مكة النضير وشابها الأنيق ، ولماذا كان دحية الكلبي رضي الله عنه رسول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى هرقل إمبراطور الروم ، رغم أنه لم يكن من أصحاب بدر وكانت أولى غزواته مع الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يوم الأحزاب ، لقد كان ممن يشتهر بين الصحابة بحسن الصورة والهيئة حتى كان أمين الوحي جبريل ينزل في صورة دحية البشرية .

فنقول : إن مظهر المرشد شريك في التأثير ، وكثير من المرشدين يخالفون عرف المثقفين في الملبس ، ويهملون هندامهم حتى ربما تراه لا يحلق ذقنه لأيام إن لم يكن من أهل اللحى ، أو يلبس القميص لأيام دون غسله ، أو لا يغتسل أياماً ، وليس لهم من تبرير مقنع ، والناس اليوم يلزمها مع رفق خطابنا لهم ما كان يفعله النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مع الوفود ، فإنه كان يتجمل لهم ، والناس اليوم وإن كانوا مسلمين ، إلا أن المعاني الإسلامية التي نتداولها معهم غريبة عليهم ، فلا بد أن نكسر تلك الجفلة والجفوة عنا بالملبس الحسن الأنيق ، والنظافة المبالغ فيها ، ومس الطيب ، ليألفونا ، من غير تقليد للمسرفين ، ولا جنوح إلى التشبيه بالمتبطرين المبذرين ، فإن التوسط ما زال هو الخير في كل الأمور .

وكذلك مظهر الداعية في سمته وحسن هندامه ، ونظافته هو حديث النفس لكل من يراه أو يستمع إليه ، فالنفس بطبيعتها تنجذب إلى هذه الصورة الحسية التي يتمناها كل إنسان لنفسه .

 

9- المرشد ينظر إلى الناس حسب أخلاقهم : 

إن الناس ينقسمون تجاه الدعوة إلى ثلاث طوائف :

أصحاب أخلاق جاهلية : وهو لا يرعى في أحد إلاًّ ولا ذمة ، يتحاشاه الناس لسوء خلقه ومعاملاته ، قال الله تعالى في كتابه الكريم : [ وَإذا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قَالوا سَلاماً ] ، وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه ] ، ومثله كمثل من قال فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ بئس أخو العشيرة  ] .

أصحاب أخلاق أساسية : فهو شخص غير ملتزم ولكنه لا يجاهر بمعصية ، وإنسان اجتماعي فيه رجولة وعنده شجاعة ومروءة ، ويأتي في المرحلة الثانية من الاهتمام ، وهو شخص يصدق عليه أن يقال فيه أنه صاحب مروءة وصدق ونجدة وكرم ، بيد أنه لا يلتزم بكثير من الأحكام ؛ وإن كان يكن لها من الاحترام الكثير .

يقول المصطفى الأعظم  صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ  ]  .

أصحاب الأخلاق الإسلامية : فهو يؤدي العبادات ويغشى المساجد ، وهذا هو أقرب الناس لدعوتنا ، وهو لا يحتاج إلى كبير عناء ، وهو شخص يلتزم بقدر كبير من أحكام دينه ويجتهد في ذلك ويحاول القيام بنوافل الصلاة والصوم ما استطاع ، ويرى أن عليه تطبيق ما يستطيع من أحكام الدين ويحترمها ويحترم رموز الدين ويجلهم ، لكنه لا ينقصه إلا الدخول في حظيرة الإيمان ليكون تطبيقه لأحكام الدين ظاهراً وباطناً .

وبخاصة إذا كان صادقاً أمام نفسه ليس ضعيفاً أمامها ، منصاعاً للحق ، يغلب عقله على شهوته ، كما تساعد التنشئة الإسلامية في الصغر والبيئة الإيمانية في البيت مساعدة عظيمة عند الكبر . وليس ممن انحاز إلى الإسلام السياسي وبعض الاتجاهات المتشددة في إسلام اليوم ، وإن هذا الصنف الأخير هو الذي نبدأ به ، وذلك لقربه من الالتزام ، ولقلة المجهود المطلوب معه ، وللظن أن النتائج أكثر تأكداً معه دون غيره ولكن يجب أن نعرف أن : مجتمع المتدينين ، شأنه شأن كل مجموعة من البشر ، فيه أصناف وطباع شتى ، ففيه الشيخ والشاب والطفل ، وفيه الواسع الثقافة والعلم ، وفيه المتوسط والمحدود ، وفيه من يتسم بالأخلاق الإسلامية ، ومن لا يتسم بأغلبها ، فهناك الصبور والمندفع ، والمتكبر والمتواضع ، والمتحمس والخامل ، والمنشغل بدينه والمنشغل بدنياه ، ومن يحمل فكراً خاصاً ومن لا يحمل . . . وهكذا .

فإن كل هذه الأنواع تحتاج إلى نوعيات خاصة لدعوتها ولا ينبغي لنا أن نحكم على نوع مما ذكر بأنه لا تجدي معه الدعوة ، ولكن قد لا أصلح أنا لدعوته ويصلح له غيري . لذلك كان من الأفضل أن نضع بعض المعايير والمواصفات التي تحقق لنا جودة الانتقاء التي توجد جيل النصر المنشود المؤمن الفعال المنتج ، وتقي ذلك الصف المبارك مثقلات البشر ، وعوامل الكساد . . . وأجيالاً تمتص لهيب الماضي لتنقله لمن بعدها هشيماً ماله من ثمر ولا قرار ، مليئة نفوسهم بتخمة حب الدنيا وجواذب الأرض وأسن النفوس . فعليك حينها أن تبدأ بصاحب الأخلاق الإسلامية ، ثم صاحب الأخلاق الأساسية ، ثم صاحب الأخلاق الجاهلية ، وذلك إن اتسع له الوقت والمجهود . وهذا يفيد في حالة الإرشاد في المجتمع الذي تعرفه وتتعايش معه كل منهم على حدة ، أما في حالة إرشاد من لا تعرف فيعتمد ذلك على ذكائك وخبرتك في الإرشاد . 

10- يبرز الصفات الحسنة في المقابل :

يجب أن يتصرف المرشد بتوازن وصدق دونما تملق أو إسراف ، فإن الناس ستدخر كلماتك تلك ويذكرونها حتى بعد أن تنساها أنت . واسمع إلى هذا الموقف : في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه : (  قوله . . . فخرجنا نسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وكنا لا نعرفه ، ولم نره قبل ذلك ، فلقينا رجل من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال : هل تعرفانه قلنا لا : قال : فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه ؟ قلنا : نعم ، قال : وكنا نعرف العباس ، وكان لا يزال يقدم علينا تاجراً قال : فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس ، قال : فدخلنا المسجد ، فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم معه جالس ، فسلمنا ثم جلسنا إليه : فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم للعباس : [ هل تعرف هذين الرجلين ؟ ] قال : نعم ، هذا البراء بن معرور سيد قومه ، وهذا كعب بن مالك ، قال : فو الله ما أنسى قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: [ الشاعر ؟  ] قال : نعم . . . يا لها من لفتة سامية من رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إذ نسي العباس الثناء على كعب وأفرد البراء بقوله : [ سيد قومه  ]  وكيف استدرك الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ذلك الإغفاء بقوله :  [ الشاعر ؟  ]  . وعلى المرشد أن يمتدح الصفات الجيدة عند المدعو ويقول له مثلا : إن خلقك يضرب به المثل ، وأنت من عائلة دينية ملتزمة قبل أن يدعوه إلى أخذ البيعة .

11- بشاشة الوجه : 

إن الابتسامة قد حض عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وذكرها في حديثه كثيراً حتى عدها صدقة صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال : [ وتبسمك في وجه أخيك صدقة  ] ، لا بل اعتبرها من الإيمان ، فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ البشاشة من الإيمان ] ، وقد يعتذر البعض بأنهم أهل جد لا يعرفون الهزل !!! ، ولكن هذا الفهم قاصر عن الحقيقة ، ولنا في رسول الله أسوة حسنة فهو القائل صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ، وليسعهم منكم بسطة الوجه وحسن الخلق ] . وأوصى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ، فقال له : [ يا أبا ذر لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ]  .

 

12- بث الأمل في الناس :

بعض الناس يسرفون في التشاؤم وتضخيم السلبيات ، ولا يتذكرون الإيجابيات ولا الحسنات ، وتزداد المشكلة سوءاً عندما ينقلون مشاعرهم وقناعاتهم المظلمة إلى الآخرين فيساهمون في تثبيطهم ، ويكونون معول هدم وتيئيس لمن حولهم من الأفراد .

قال نبينا الأعظم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ بشِّروا ولا تنفِّروا ، يسِّروا ولا تعسِّروا  ]  إن المرشد من هذا الباب كثيراً ما يلقي في نفوس الناس الفتور والإحباط وإن الناس لا تحب أن تقابل من ييئِّسهم وتحب من يبث فيهم الأمل ويبعد عنهم وطأة الواقع بلمسة اليقين .

وانظر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما روى ابن هشام في سيرته وهو يبشر عدي بن حاتم بأن المستقبل لهذا الدين ، فيقول له : [ لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى حاجتهم ، فو الله ليوشكن المال أن يفيض حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعلك إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم ، فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور البيت لا تخاف ، ولعلك إنما يمنعك من الدخول أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم ، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم  ] ، قال عدي : فأسلمت . كما علينا أن نعلم بأن عند حدوث الملمات والمآسي يلجأ الناس إلى الدين وإلى الله سبحانه ، ويجب علينا أن نؤملهم ولا نقنطهم .

 

13- المرشد متواضع :

إن التواضع كما قيل : رأس صفات المتقين ، وإن آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرياسة ، وإن التواضع في عصرنا هذا كالزئبق الأحمر ، وإن الكبر أصبح ينطلي على كثير من الناس تحت شعارات عديدة ، ولكن ما زالت الفطرة السليمة تفضحه . ولا يكذب المرؤوسون على رئيسهم المتواضع بل يفتحون له قلوبهم ويعترفون له بضعفهم ليكون لهم طبيباً . لأن التعالي على الناس يولد البغض والكراهية ، وبالتالي عدم التقبل ، وقد ذم الله المتكبرين في أكثر من موضع وأمر الدعاة والعاملين لهذا الدين بالتواضع ، على لسان لقمان  وهو يعظ ابنه ، فقال تبارك وتعالى : [ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ  ] . وقال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ( وجدنا الكرم في التقوى ، والغنى في اليقين ، والشرف في التواضع ) .

وإليك بعض مظاهر التواضع من الأخ لأخيه المسلم :

عدم التعالي بسبب منصب أو مال أو علم أو معرفة أو قوة جسدية ، والاستماع لحديثه دون مقاطعة ، والنزول عند رأيه إذا حدث خلاف فيما لا نص
فيه ، خاصة في الأمور الدنيوية قضاء الحوائج إذا كان لا يستطيع ، والمسارعة في الاسترضاء إذا حدث ما يعكر الصفو ، والبدء بالسلام ، والزيارة والسؤال والمساعدة إذا احتاج .

فعن علي بن الحسين عليه السلام قال : خرج الحسن يطوف بالكعبة ، فقام إليه رجل ، فقال : يا أبا محمد ، اذهب معي في حاجة إلى فلان ، فترك الطواف وذهب معه ، فلما ذهب قام إليه رجل حاسد للرجل الذي ذهب معه ، فقال : يا أبا
محمد ، تركت الطواف وذهبت معه ؟ قال : فقال له الحسن : وكيف لا أذهب معه ؟ ورسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : 
[ من ذهب في حاجة لأخيه المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة ، وإن لم يقض كتبت له عمرة  ] ، فقد اكتسبت حجة وعمرة ورجعت إلى طوافي .

 

14- المرشد وقور متّزن :

رغم أهمية المزاح ، وحاجة الناس إلى الترويح ، وحبهم وتقديرهم لأصحاب القلوب المرحة ، إلا أنه من المهم الاعتدال والتوسط فيه ، فلا إفراط ولا
تفريط . إن كثرة المزاح والمداومة عليه تقسي القلب ، وتذهب الهيبة ، وتحط من قيمة الإنسان ، وتجعله مجالاً للسخرية والاستخفاف من أجل الآخرين ، كما أنها توقعه في الزلل والخطأ وكثرة الهفوات ، لذا ينبغي الحذر من التمادي في المزاح والإسراف في الترفيه والضحك .

وقيل : لكل شيء بذور وبذور العداوة المزاح ، وقيل أيضاً : المزاح مسلبة للنهى مقطعة للأصدقاء . وقيل : المزاح أوله هزل وآخره جد . وقار مع إخلاص مع تواضع مع تبسم وطلاقة وجه وروح خفيفة مرحة ، وهذا ما يصح أن نطلق عليه الوصفة التي تجذب إليك المقابل وترتاح بها النفوس .

 

15- المرشد كريم :

قال الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ إن السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار ، وإن البخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار ، وجاهل سخي أحب إلى الله من عالم بخيل ]. وقال يحيى بن معاذ رضي الله عنه : ( ما في القلب للأسخياء إلا حب ولو كانوا فجاراً وللبخلاء إلا بغض ولو كانوا أبراراً ) ، فكن كريماً ولو بالعفو والسماح .

 

16- المرشد صاحب علم :

  لا يتم النجاح للداعية الجاهل غيرِ المتفقّه بأمور الدين ، إذ يجب طلب العلم الشرعيّ ليستطيعَ الداعية إيصاله للناس ، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ تفقه ثم اعتزل ]  .

كذلك يجب أن يكون الداعية على بصيرة بالأحكام الشرعية بحلالها وحرامها ، وعلى بصيرة بالأشخاص الذين يدعوهم من خلال معرفة أحوالهم ، وعلى معرفة أيضاً بالدعوة ووسائلها وأساليبها ، والأهم أن يكون على علم صحيح مرتكز على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم ، لأن كل علم يتلقى من سواهما فإنه يجب أن يعرض عليهما أولاً ، وبعد عرضه فإما أن يكون موافقاً أو مخالفاً‏ .‏ فإن كان موافقاً قُبل ، وإن كان مخالفاً وجب رده على قائله كائناً من كان ، فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال‏ :‏ ‏( ‏يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول‏ :‏ قال رسول الله وتقولون‏ :‏ قال أبو بكر وعمر‏) ‏‏فإذا كان هذا في قول أبي بكر وعمر الذي يُعارض به قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم ، فما بالكم بقول من دونهما ؟

وهكذا فإن أول زاد يتزود به الداعية إلى الله عز وجل أن يكون على علم مستمد من كتاب الله
تعالى ، ومن سنة رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم ، الصحيحة المقبولة ، وأما الدعوة بدون علم فإنها دعوة على جهل ، والدعوة على الجهل ضررها أكبر من نفعها ، لأن هذا الداعية قد نصب نفسه موجهاً ومرشداً فإذا كان جاهلاً فإنه بذلك يكون ضالاً مضلاًّ والعياذ بالله ، ويكون جهله هذا جهلاً مركباً ، والجهل المركب أشد من الجهل البسيط ، فالجهل البسيط يمسك صاحبه ولا يتكلم ، ويمكن رفعه بالتعلم ، ولكن المشكلة كل المشكلة في حال الجاهل المركب ، إن هذا الجاهل المركب لن يسكت بل سيتكلم ولو عن جهل وحينئذ يكون مدمراً أكثر مما يكون منوراً‏ .‏

وتـأمـل أيها المرشد قول الله تعالى ‏:‏ [ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ]أي على بصيرة في ثلاثة أمور‏:‏

الأمر الأول‏ :‏ على بصيرة فيما يدعو إليه ، بأن يكون عالماً بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه ؛ لأنه قد يدعو إلى شيء يظنه واجباً ، وهو في شرع الله غير واجب ، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به ، وقد يدعو إلى ترك شيء يظنه محرماً ، وهو في دين الله غير محرم ، فيحرم على عباد الله ما أحله الله لهم ‏.‏

الأمر الثاني ‏:‏ على بصيرة في حال الدعوة ، ولهذا لما بعث النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم ، معاذاً إلى اليمن قال له ‏:‏ [ ‏إنك ستأتي قوماً أهل كتاب ‏‏ ]  ليعرف حالهم ويستعد لهم‏ ،‏ فلابد أن تعلم حال هذا المدعو ما مستواه العلمي ‏؟‏ وما مستواه الجدلي‏ ؟‏ حتى تتأهب له فتناقشه وتجادله ، لأنك إذا دخلت مع مثل هذا في جدال وكان عليك لقوة جدله صار في هذا نكبة عظيمة على الحق وأنت سببها ، ولا تظن أن صاحب الباطل يخفق بكل حال فإن الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم ، قال ‏:‏ [ إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع ] فهذا يدل على أن المخاصم وإن كان مبطلاً قد يكون ألحن بحجته من آخر فيُقضى بحسب ما تكلم به هذا المخاصم ، فلابد أن تكون عالماً بحال المدعو‏.‏

الأمر الثالث ‏:‏ على بصيرة في كيفية الدعوة ، قال الله تعالى ‏:‏ [ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ  ] ‏‏، فقد يقول قائل‏ :‏ هل قولك هذا يعارض قول النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم‏ :‏ [ بلغوا عني ولو آية ] ؟ فالجواب‏ :‏ لا ، لأن الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم ، يقول ‏:‏(‏بلغوا عني‏)‏ إذاً فلابد أن يكون ما نبلغه قد صدر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم ، هذا هو ما نريده ، ولسنا عندما نقول إن الداعية محتاج إلى العلم فإننا لسنا نقول إنه لابد أن يبلغ شوطاً بعيداً في العلم ، ولكننا نقول لا يدعو إلا بما يعلم فقط ، ولا يتكلم بما لا يعلم ‏.‏