أخطاء ومحاذير يجب أن يتجنبها المرشد
1 – المجادلة واللجاجة :
لقد جبلت النفوس على بغض المراء واللجاجة ، وصعب على النفس أن تذعن لحق جاء على لسان من يريد إفحامها وكشف نقصها . وقد ابتلينا بمن يحترف الجدال من الملتزمين وما زالوا حتى زلوا ، وحتى احترف الناس بغضهم وتحاشى لقائهم . حتى لو كان الحق معك ، وامح كلمة الجدال من قاموس حياتك ، حتى لو رأيت من ربوك فعلوها ، فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هو أسوتنا وقدوتنا ، وغيره يؤخذ منه ويرد . وأنك إذا أردت أن تخسر إنساناً ؟!! جادله . ولا تتأسى بما تراه على برامج الفضائيات من جدال ونقاش وتعصب المجادل لرأيه حتى لو كان على خطأ لكي لا يقال أنه أفحم فهذا لا يوصل إلا إلى الفرقة وتخشين القلوب .
2- وساوس النفس :
فقد تأتي على نفسك بعض الوساوس منها :
تقول لك أنت ذو شخصية ضعيفة وكلامك غير ذي تأثير فلا تقحم نفسك في أداء مهمة الإرشاد حتى لا تؤكد فشلك وتفضحك النتائج . إن الأمور تكون هكذا فعلاً إذا كانت الدعوة مهنة . وأما عندما تكون عبادة وقربى فأجرك مضمون إن شاء الله ، إذ أنت أحسنت البلاغ وأخلصت . إن الأجر يقع بمجرد الدعوة ولا يتوقف على الاستجابة ، ولو كان الأمر في الدعوة كالأعمال الدنيوية نحكم على نجاح صاحبها بالنتيجة الظاهرة فحسب ، فإنما يعني ذلك أن نحكم على كثير من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين – بالإخفاق ، فهذا نوح عليه السلام يمكث في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً حتى يأخذهم الطوفان ، وما آمن معه إلا قليل ، وكذلك كان أمر الأنبياء ، فإنهم يحشرون يوم القيامة ومع بعضهم الواحد والاثنان والثلاثة ، وبعضهم لا يكون معه أحد من المؤمنين .
ولو أن الله تعالى ربط نجاحنا في الدعوة بإقبال الناس لكان لنا عذاباً ، ولكنه تعالى من رحمته جعل الأمر في الثواب مرتبطاً بالمجهود لا بالنتيجة ، ثم هو يحفظك أن تتدنى بنفسك وتستهلك التنازلات رجاء استجابة من تدعوه ، ويحفظك أبياً ، راسخاً عالياً ، مع تأكيده تعالى عليك بالتبليغ . وستجد همة مشايخك معك في الإرشاد ، يفتحون لك آذان الناس ، ويطلقون لسانك ما دام يدعو إلى الله تعالى مخلصاً في نيته .
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده وليس عليه إدراك النتائج والناس بعد ذلك إن لم يتأثروا الآن فربما يتأثرون غداً ، فكما يقول الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : [ الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة ] .
ولو ربط الله تعالى كذلك الأجر بالنتيجة لرأى الناس منك نفرة بسبب تباطئهم في الاستجابة ، وتحولا نفسياً تجاههم إذا هم تلكئوا في الإقبال ، وأصبح المؤمن يفصل في معاملاته بين المسلمين ، والأصل أن كل المسلمين إخواننا ، المسلم لا يعرف سوى الباب المفتوح لمن يذنب لعله يتوب ، ولمن تولى عنا بعد أن عرفنا ، لعله يرجع ، ولمن أقبل علينا لعله يرتقي ، وربما تقول في نفسك أيضاً : أنت ما زلت قليل العلم ، والدعوة تحتاج إلى فقيه عالم يرد على التساؤلات ويدفع الشبهات ويفحم المنافس والمجادل … بلغ عن نبيك – كما أوصاك – ولو آية ، لا ينكر أحد أهمية العلم ، ولكن من منا قد أنهى العلم؟ وهل هناك حد يعلم المرء عنده أنه أصبح لديه من العلم ما يكفيه للدعوة ؟ وهل الناس يتطلبون كل ذلك التبحر كي ندلهم على ما طبع في فطرتهم من الخير والهدى ؟ … إننا مرشدون ، ولو أخلصنا لعلمنا أن عملنا هو الدعوة إلى الله وليس إثبات التفوق على الأقران وإفحامهم أو صرف وجوه الناس إلينا من الانتصار في المجادلات ، وأن التبحر في فنون العلم الفرعية فرض على الكفاية ، وأن المرء يظل يطلب العلم من المهد إلى اللحد ، وأنه وكما قال سعيد بن جبير رضي الله عنه : ( لا يزال الرجل عالماً بالعلم ما تعلم فإن ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون ) . ثم إنك تمتاز بميزة عظيمة قد لا توجد عند كثير ممن امتلأت رؤوسهم بالعلوم والمناظرات ، والجدل ، ذلك هو العزم الذي دفعك إلى البحث عن الطريق التي تخدم بها الإسلام ، وإن رجلاً ينفذ أفكاره القليلة بهمة وعزم لأفضل ممن امتلأت رأسه بالأفكار وعجزت يداه عن تنفيذها . وقد يأتي الشيطان أيضاً إلى أحدنا ويقول له : هذا أكبر منك في درجته العلمية وثقافته ومداركه … كيف يتأثر بك إن كنت لم تصل بعد إلى تلك الدرجة ؟!.
3- الرياء أو طلب طمع دنيوي :
إن إقبال المرشد وتعظيمه لمن لا يقبل على دين الله من أجل مال أو تيه أو مظهر فخم أو تفوق وعلو منزلة هذا الشخص في قلبه فوق منزلة المهتدين يعبر عن نظرة خاطئة . يقول ابن السمّاك : مالي إذا أتيت الكوفة أوتيت الحكمة ، فقالت له جاريته : الطمع يشحذ لسانك .
وقفزك بكلامك فوق المراحل لتعبر بالمستمع من المبدئيات إلى الحركيات لتقول أو تفعل ما يغري صاحبك أو ما يعلي قدرك في قلبه وأنت تظن أن ذلك يقربه من الدعوة ، ظن فاسد وتمكين للنفس من الجاه . حكاياتك عن أعمالك ولَيّ عنق مسار الحديث ، للكلام عن تضحيتك دون تأكد تام من اقتداء الطرف الآخر بك ودون مراعاة أن هذه الحكايات كالدواء إذا زاد ضر ولم ينفع ، هو نقص مركب . اصطناعك عمق صلتك بكبير ليظهر كبرك أو إظهار عدم تعظيمك للقائه أو كلامك معه بتروٍ وتؤدة لتأكيد أن منزلته لا تعلوك بكثير . كلامك بالتلميح مع غيرك أمام المدعو حتى توهم الأخير أو حتى تكشف له أنك تعلم الأسرار وتمعن في الحركيات . . . رياء .