شرف المهمة
يقول ربنا عز وجل في كتابه الكريم : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) في هذه الآية تنويه بالدعاء والثناء عليهم ، وأنه لا أحد أحسن قولاً منهم .
ألا يكفيك شرفاً أن تكون ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ، أي سعادة تغمرك وأنت تقولها وأي شرف تشعر به لأنك تدعو إلى سبيل ربك ، قال تعالى : ( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ، يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) ، فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقال تعالى :
( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) فقد نعت المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، والذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه الآية .
قال تعالى : ( الذينَ إنْ مَكَّنَّاهُمْ في الأرْضِ أقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّكاةَ وَأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ ) ، فقرن ذلك بالصلاة والزكاة في نعت الصالحين والمؤمنين .
وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ( ما أعمال البر عند الجهاد في سبيل الله إلا كنفثة في بحر لجي ، وما جميع أعمال البر والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي ).
ألا يكفيك بشرى الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ). ولقد صح عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال للإمام علي كرم الله وجهه : ( لئن يهدي الله على يديك رجلاً واحداً خير مما طلعت عليه الشمس ) وهنيئاً لك أن تسمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول : ( إن الملائكة وأهل السماوات وأهل الأرض حتى النملة في جحرها والحيتان في البحر يصلون على معلم الناس الخير ) وعن النبيِّ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : ( كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر أو ذكراً لله تعالى ).
المرشد مبارك أينما حل وارتحل :
للدعوة إلى الله عز وجل بركات تفيض على من يقوم بها ، ولا يشعر بهذه البركات إلا من سار في طريق الدعوة . معلّماً للخير داعياً إلى الله مذكّراً به ، مرغّباً في طاعته سبحانه ، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة ، كما أن هدايته للغير وتعليمه ونصحه يفتح له باب الهداية ، فإن الجزاء من جنس العمل ، فكلما هدى غيره وعلّمه هداه الله وعلّمه ، فيصير هادياً مهديّاً ، كما في دعاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ( اللهم زيِّنّا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهتدين ، غير ضالّين ولا مُضلّين ، سلَماً لأوليائك ، حرْباً لأعدائك ، نحب بحبك من أحبك ، ونعادي بعداوتك من خالفك ) ولقد ورد عن مجاهد في تفسيره لآية : ( وَجَعَلنِي مُبارَكاً ) قال : « نافعاً للناس » وأفضل المنفعة هي المنفعة الأخروية فمن أراد أن يجدد إيمانه فليدعو إلى الله وليعلّم غيره . ومن بركة المرشد أنه أبعد الناس عن المنكر وأهله إذا أنكره بقلبه ، لحديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ).